مقالات

إعجاز القرآن في غيابات البحار

بقلم د ياسر جعفر

في عالم يزداد تسارعًا نحو التكنولوجيا والعلوم الحديثة، يظل القرآن الكريم منارةً تُضيء طريق المعرفة والإعجاز العلمي. ومن بين آياته الخالدة، تبرز آية ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 22] لتذكرنا بأن البحار والأنهار ليست مجرد مسطحات مائية، بل هي كنوز من الخيرات والأسرار التي لم تُكتشف بعد. هذا المقال يستعرض جانبًا من إعجاز القرآن في الحديث عن اللؤلؤ والمرجان، وكيف أن هذه الأحجار الكريمة تحمل في طياتها حقائق علمية وروحانية تدهش العقول، وتدعونا إلى التأمل في عظمة الخالق وإعادة النظر في منهج حياتنا الذي أرشدنا إليه القرآن.

و كما قلنا في مقالات عديدة، إن القرآن منهج حياة، وكثير من البشر يغفلون عن هذه الحقيقة، وللأسف الأمة الإسلامية في تغافل كبير عن دينها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. القرآن الكريم منهج حياة في جميع العلوم والتكنولوجيا، ولا يوجد بحث علمي أو دراسة علمية إلا ولها أصل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فلماذا التغافل من الأمة الإسلامية عن هذا المنهج العظيم، والكل يلهث وراء الغرب بالتقرب والولاء لهم؟

في مقالنا هذا، نشير إلى آية من آيات الله ترشد البشرية جمعاء بأن في البحر خيرات، كما مبين في هذه الآية الكريمة:
﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 22].
ثم يذكر سبحانه بعض نعمه المختبئة في البحرين فيقول: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾.

واللؤلؤ في أصله حيوان، وهو أعجب ما في البحار، فهو يهبط إلى الأعماق داخل صدفة جيرية تقيه من الأخطار، ويفرز مادة لزجة تتجمد مكونة “اللؤلؤ”.
والمرجان أيضًا حيوان يعيش في البحار، ويكون جزرًا مرجانية ذات ألوان مختلفة: صفراء، برتقالية، أو حمراء قرنفلية، أو زرقاء زمردية.
ومن اللؤلؤ والمرجان تتخذ الحلي الغالية الثمن، العالية القيمة، التي تتحلى بها النساء. والآية الكريمة صريحة في أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحرين – الملح والعذب – إلا أن كثيرًا من المفسرين ساروا على أنهما يخرجان من أحدهما فحسب، وهو البحر الملح.

قال الآلوسي ما ملخصه: واللؤلؤ صغار الدر، والمرجان كباره. وقيل: العكس. والمشاهد أن خروج اللؤلؤ والمرجان من البحر الملح. لكن لما التقيا وصارا كالشيء الواحد، جاز أن يقال: يخرجان منهما، كما يقال: يخرجان من البحر، ولا يخرجان من جميعه، ولكن من بعضه، كما تقول: خرجت من البلد، وإنما خرجت من محلة من محالها، بل من دار واحدة من دورها. وقد يسند إلى الاثنين ما هو لأحدهما، كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم.

والحق أن ما سار عليه الإمام الآلوسي وغيره من أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحر الملح لا من البحر العذب، مخالف لما جاء صريحًا في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر: 12].
فإن هذه الآية صريحة في أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من كلا البحرين الملح والعذب، وقد أثبتت البحوث العلمية صحة ذلك، فقد عثر عليهما في بعض الأنهار العذبة، التي في ضواحي ويلز واسكتلندا في بريطانيا.

واللؤلؤ يخرج من التقاء الماء العذب بالماء الملح، أو حيث خلجان البحار الساكنة التي ينزل عليها ماء المطر، فيكون الماء العذب، سواء من الأنهار أو الأمطار، أشبه باللقاح للماء الذي يتخلق منه حيوان اللؤلؤ. ولهذا أضيف إخراج اللؤلؤ إلى البحرين معًا: الملح والعذب. ومن كل من البحار والأنهار، يستخرج اللؤلؤ والمرجان. ولكن لا بد من التقاء الملح بالعذب، والعذب بالملح، على أية صورة من الصور حتى يتخلق منهما اللؤلؤ والمرجان.

جاء في “التفسير القرآني للقرآن” لعبد الكريم الخطيب في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ [الأنبياء: 82]، أي وسخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحار ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان وغيرها.

وهذه الأحجار فيها أسرار روحانية كبيرة، ولها تأثير على القرين المتمرد عند لبسها خواتم للرجال والنساء وسلاسل للنساء. ولو تصفحنا سورة الرحمن:
﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 58].
ثم قال ينعتهن للخطاب: ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾، قال مجاهد والحسن والسدي وابن زيد وغيرهم: في صفاء الياقوت وبياض المرجان، فجعلوا المرجان هنا اللؤلؤ.

أهمية الأحجار الكريمة

لقد استخدم العرب القدامى الأحجار الكريمة لعلاج العديد من الأمراض العضوية والنفسية أيضًا، ولا تزال الدراسات تُجرى في هذا الخصوص لمعرفة ما إذا كانت الأحجار الكريمة يمكن اعتبارها أحد أنواع الطب البديل أم لا، حيث لم يثبت علميًا مدى فعاليتها في علاج الأمراض حتى الآن. ويرى فريق من الأطباء أن مدى نجاح هذا العلاج يتوقف على مدى تقبل الجسم للعلاج، ومدى التوافق بين الموجات الكهرومغناطيسية التي يصدرها جسم الإنسان مع الموجات الصادرة عن الأحجار الكريمة. وبالرغم من أن الأبحاث العلمية لا تزال جارية، إلا أن هناك ما يؤكد أن لبعض أنواع الأحجار الكريمة النادرة خواص علاجية.

ومن أمثلة ذلك الكهرمان، الذي يتشكل من الصمغ الذي تنتجه أشجار الصنوبر، وقد كان يستخدم من قبل الإغريق والفراعنة لعلاج التقرحات الجلدية بعد سحقه وخلطه ببعض المواد مثل الكركم. وقد أكدت دراسة حديثة أجريت في السويد صحة هذه الفائدة العلاجية.

*المرجان*: يعالج مرض الجذام وقرحة المعدة باستخدام مسحوق المرجان ممزوجًا بالعسل، كما أن له قدرة في تحسين الحالة العاطفية لدى من يرتديه. وله تأثير على القرين العنيد والمتمرد، وأيضًا له تأثير على مزاج الشخص الروحاني.

*اللؤلؤ*: يعمل على علاج مشاكل سن اليأس، كما له دور في الحفاظ على صحة الأسنان والعينين. ويستخدم اللؤلؤ في علاج الإسهال والأزمة الصدرية ويقوي الأعصاب.

*الياقوت*: يعتبر اللونان الأحمر والأرجواني من أجود أنواع الياقوت، ويمتاز اللون الأحمر منه بالقدرة على تهدئة الأعصاب، كما أنه ينشط الذاكرة ويقوي القلب ويحسن الأوعية الدموية، كما أنه مسكن للألم.

*العقيق*: له عدة ألوان، ولكل لون دور مختلف في علاج المشاكل الصحية. فاللون الأحمر يحسن الحالة النفسية ويقاوم مشاعر الضيق والهم، أما اللون الأخضر فله دور في وقف النزيف، واللون الأبيض يعمل على زيادة كمية الحليب لدى السيدة المرضعة. وبشكل عام، فإن العقيق مفيد في تسكين الآلام، خاصة آلام الولادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى