مقالات

الإعجاز النبوي في اختيار الطعام .. دروس صحية من هدي الرسول ﷺ

بقلم: د ياسر جعفر

الإسلام ليس مجرد دينٍ تعبّدي، بل هو منهج حياة متكامل يشمل كل جوانب الإنسان، من روحه إلى جسده. وقد جاءت السنة النبوية لتكون هاديًا للبشرية في مختلف المجالات، ومنها التغذية الصحية التي تضمن للإنسان العافية والقوة. فمنذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، أرشدنا رسول الله ﷺ إلى اختيار الأطعمة النافعة، وأكل الطعام الحلال الطيب، مما أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة فوائده الجمة.

وفي هذا المقال، نسلط الضوء على إعجاز السنة النبوية في اختيار الطعام، ونأخذ مثالًا على ذلك الجبن، الذي كان النبي ﷺ يتناوله ويدلّ عليه، ليكشف لنا العلم الحديث عن قيمته الغذائية وأهميته لصحة الإنسان.

ليعلم العالم أجمع أن الدين الإسلامي منهج حياة، وأنه آخر الرسالات التي جاءت لتنير حياة البشر في شتى المجالات وعلى جميع الأصعدة. فقد شرع الله تعالى الإسلام ليكون منهجًا شاملًا للبشرية، ينظرون من خلاله إلى الحياة، ويسيرون وفق أحكامه وتعاليمه على هذا الهدى. فما من أمر في هذه الدنيا، قديمًا كان أو حديثًا، إلا وللإسلام فيه حكم وبيان، إما بنص صريح، وإما بالنظر إلى مقاصد الشريعة.

لقد أنقذت الحضارة الإسلامية العالم من ظلمات الجهل والتخلف والانهيار الأخلاقي والقيمي التي سادت قبل الإسلام لعدة قرون. وقد استمدت هذه الحضارة أصولها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ثم انفتحت على مختلف الشعوب دون تمييز في اللون أو الجنس أو الدين، مما جعلها تحتل موقع الريادة عالميًا. ومن أبرز خصائصها التي جعلتها كذلك:

في هذا المقال، يتجلى لنا جانب من إعجاز السنة النبوية في اختيار الطعام، حيث يوضح لنا رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم أهمية انتقاء الأطعمة لصحة الإنسان. ومن الأطعمة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم الجبن، وهو من الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية المهمة.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أُتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بجُبنةٍ في تبوكَ فدعا بالسكين، فسمَّى وقطعَ) – أخرجه أبو داود.

في هذا الحديث، يخبرنا ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجبنة، أي جيء إليه بقطعة من الجبن في غزوة تبوك. وكان العرب يعقدون الجبن باستخدام الأنافح، وهي مادة مستخرجة من جوف بعض الحيوانات، وتُستخدم لتخثير اللبن وتحويله إلى جبن. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم سكينًا، وسمّى الله قبل أن يقطع الجبن ويأكله، ولم يمنع المسلمين من تناوله.

ومن دلالة هذا الحديث، أن الأنافح طاهرة، إذ لو كانت نجسة لكان الجبن المتخثر بها نجسًا كذلك. وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة ما جاء في هذا الحديث الشريف، حيث أكدت فوائد الجبن للصحة، مما يعكس سبق السنة النبوية في توجيه الإنسان لما ينفعه.

الفوائد الغذائية للجبن

يُعد الجبن مصدرًا غنيًا بالبروتين والكالسيوم والفيتامينات والأحماض الأمينية الأساسية، كما أنه غذاء عالي السعرات الحرارية، وقد يحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون والصوديوم.

تقول لورديس كاسترو مورتيلارو، اختصاصية التغذية ومديرة مختبر الطعام بجامعة نيويورك، في حديثها لـ CNN:
“إذا كنت تستمتع بتناول الجبن، فقد يكون مصدرًا جيدًا للبروتين والكالسيوم، لكن يجب الحذر من الإفراط في تناوله، إذ يمكن أن يؤدي إلى تراكم السعرات الحرارية بسرعة.”

ويُعتبر البروتين الموجود في الجبن بديلاً جيدًا للبروتين الحيواني القادم من اللحوم، حيث يحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها الجسم ولا يمكنه تصنيعها بنفسه.

أي أنواع الجبن أكثر صحة؟

تختلف الإجابة على هذا السؤال حسب احتياجات الجسم الفردية، ولكن وفقًا للخبراء، فإن جبن الريكوتا يُعد من أفضل الخيارات الصحية.

وتتفق كل من مورتيلارو وإميلي مارتورانو، وهي اختصاصية تغذية بجامعة نيويورك، على أن جبن الريكوتا هو الأكثر صحة، حيث يتم تصنيعه من مصل اللبن المتبقي بعد تخثر الحليب، مما يجعله غنيًا ببروتين مصل اللبن الذي يسهل امتصاصه في الجسم.

وتشير الدراسات إلى أن هذا النوع من الجبن يُعد مثاليًا لبناء العضلات وفقدان الدهون في آن واحد، نظرًا لمحتواه العالي من البروتين وسهولة هضمه.

الجبن الصلب واللين: أيهما أفضل؟

تُعد الأجبان الصلبة مثل البارميزان، البيكورينو، والجودا من الخيارات الصحية الجيدة عند تناولها باعتدال. فهذه الأجبان تحتوي على نسبة أقل من الماء، مما يجعلها أكثر تركيزًا في العناصر الغذائية، وخاصة الكالسيوم. ومع ذلك، فإنها قد تحتوي على نسبة أعلى من الصوديوم، مما يجعلها أقل مناسبة لمن يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض الكلى.

أفضل أنواع الجبن للتحكم في الوزن

إذا كنت تراقب وزنك، فإن اختيار الجبن الغني بالبروتين وقليل الدهون هو الحل الأمثل. وتنصح مارتورانو بأن يكون معدل البروتين إلى السعرات الحرارية 1:10، أي أن يحتوي كل 100 سعرة حرارية على 10 غرامات من البروتين على الأقل، مما يجعل الجبن خيارًا صحيًا أكثر.

وبناءً على هذا المعيار، توصي بتناول الجبن السويسري الخفيف، جبن الشيدر الخفيف، وجبن الريكوتا.

أنواع الجبن التي يجب تجنبها

يُنصح بتجنب الجبن المعالج صناعيًا مثل الجبن المعلب، وشرائح الجبن المغلفة، وبعض أنواع الجبن الكريمي، حيث تحتوي على نسب عالية من الدهون والصوديوم، مع الحد الأدنى من البروتين.

وتشير مارتورانو إلى أن بعض هذه المنتجات لا تُصنَّف رسميًا على أنها جبن وفقًا لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، بل تُعتبر “أطعمة جبنية معالجة”، نظرًا لانخفاض نسبة الجبن الطبيعي فيها.

الجبن الطازج هو الخيار الأفضل

تؤكد مورتيلارو أن تناول الجبن كامل الدسم باعتدال أفضل من اللجوء إلى البدائل قليلة الدسم المصنعة، حيث توفر الأجبان الطبيعية قيمة غذائية أعلى.

كما أن بعض أنواع الجبن مثل الفيتا، جبن الماعز، والجبن المصنوع من الحليب الخام تحتوي على البروبيوتيك، وهي بكتيريا نافعة تدعم صحة الجهاز الهضمي.

ختامًا… العلم يؤكد ما جاءت به السنة النبوية

تؤكد الدراسات العلمية الحديثة صحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بشأن تناول الجبن، مما يبرهن على أن تعاليم الإسلام لم تكن محصورة في النواحي الروحية فقط، بل تضمنت أيضًا إرشادات صحية نافعة للبشرية.

فلماذا لا يتم إجراء أبحاث مكثفة حول ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لا يُستفاد من هذا العلم النبوي العظيم؟

إن رسالة رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم هي رسالة حق وعدل ونور للبشرية جمعاء، وهي لا تزال تثبت صدقها وإعجازها يومًا بعد يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى