رمضان شهر الاغتنام

بقلم : د ياسر جعفر
شهر رمضان هو شهر الخير والبركات، شهر التوبة والغفران، حيث تُفتح أبواب الرحمة وتُغلق أبواب النار، وتُصفد الشياطين. إنه فرصة عظيمة لاغتنام الأوقات وتجديد العهد مع الله، ففيه تُضاعف الحسنات وتُغفر الذنوب لمن صام وقام إيمانًا واحتسابًا.
فكم هو عظيم هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فهل نغتنمه حق الاغتنام، أم نضيعه في اللهو والعبث؟ فلنعقد العزم على استثمار هذا الموسم الفريد، ولنكن ممن يفوزون برضوان الله ومغفرته .
ففي الحديث النبوي الشريف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«الصَّلَواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورمضانُ إلى رَمَضانَ؛ مُكَفِّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائِرَ».
وفي حديث آخر:
«مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه».
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة:
«مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» (صحيح البخاري).
وفي رواية أخرى:
«مَن صامَ رمضانَ وقامَهُ، إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ» (صحيح الترمذي).
في هذا الحديث بشارة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم لمن وفِّق لصيام شهر رمضان كله عند القدرة عليه، إيمانًا واحتسابًا. والمقصود بذلك أن يصوم المسلم تصديقًا بالأمر به، عالمًا بوجوبه، خائفًا من عقاب تركه، محتسبًا الأجر العظيم في صومه.
وهذه صفة المؤمن الحق؛ فمن صام رمضان على الوجه المطلوب شرعًا، مؤمنًا بالله وبما فرضه الله عليه، محتسبًا الثواب والأجر من الله، فإن المرجو من الله أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه.
ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم فضل ليلة القدر، وأن من أحيى هذه الليلة المباركة بالصلاة وتلاوة القرآن، غفر الله له ذنوبه السابقة، غير الحقوق الآدمية؛ لأن الإجماع قائم على أنها لا تسقط إلا برضا أصحابها.
ويشترط أن يفعل ذلك “إيمانًا واحتسابًا”، أي تصديقًا بفضل هذه الليلة وفضل العمل فيها، وابتغاءً لوجه الله في عبادته.
وقد ورد الجزاء بصيغة الماضي (غُفِرَ) مع أن المغفرة تكون في المستقبل؛ للإشعار بأنها متيقنة الوقوع، مؤكدة الثبوت، وذلك من فضل الله تعالى على عباده.
وفي الحديث أيضًا حث على قيام رمضان، وفيه الحث على الإخلاص واحتساب الأعمال.
وهنا شرط “إيمانًا واحتسابًا” أن يكون المسلم على قوة إيمانية من القلب والعقل والجوارح، ونية خالصة لله سبحانه وتعالى، وأن يكون الصيام خالصًا لله، وأن تكون العبادة خالية من الرياء والمظاهر. ويجب على المسلم أن يحتسب الأجر ويحذر من الوقوع في ما يبطل الصيام من المحرمات والمعاصي، وأن يبتعد عن طريق الشيطان، ويغتنم الفرصة في تكفير الذنوب، وأن يحاسب نفسه على كلامه وقت غضبه، ويتجنب قول الزور وكل ما حرم الله.
ويجب الحذر من تضييع الوقت أمام الشاشات في اللهو والعبث في برامج شيطانية، تُنفق عليها مليارات لتضيع على الإنسان صيامه وقيامه، وتضيع عليه أفضل شهور السنة في برامج العبث الفارغة التي تدمر العقول وتضيع الوقت.
وهناك أيضًا برامج تدعي أنها تعمل الخير، ولكنها في الحقيقة تبث السم في العسل، وهي مصائد شيطانية لجذب الناس إلى الشاشات وإضاعة أوقاتهم.
وينبغي على الإنسان أن يحترم المساجد بعدم اللهو بالهواتف أثناء الصلاة، خاصة صلاة التراويح، حيث نرى مناظر سيئة جدًا من عدم الخشوع في بيوت الله.
ولا ننسى الأطفال الذين يسببون الإزعاج للمصلين، مما يؤدي إلى عدم الخشوع في الصلاة. فينبغي على الأب أن يعلم أبناءه آداب المساجد حتى لا يؤذوا الآخرين.
ولا ينبغي أن تشغل المرأة نفسها بتنظيف الشقة وتقول لزوجها: خذ الأولاد معك إلى المسجد حتى أنظف، فيشغلون الناس في الصلاة. ولا ينبغي أن يكون التنظيف والحلويات هي الشغل الشاغل في رمضان، فيضيع نصف الشهر في التنظيف والنصف الآخر في إعداد الحلويات، وتصبح الأمة أمة عبثية يتلاعب بها الهوى والنفس.
وينبغي على الإنسان العاقل أن يغتنم هذه الفرص التي لا تعوض، ويسارع إلى الخيرات.
وفي رواية أخرى:
«ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخَل عليه رمضانُ، ثم انسلَخَ قبل أن يُغفَرَ له».
أي: خاب وخسر وذل وعجز كل من أدرك شهر رمضان فتكاسل عن العبادة ولم يجتهد حتى انتهى الشهر فلم يظفر ببركته ولم يُغفر له.
شهر رمضان منحة من الله للعبادة وتكفير الذنوب والمعاصي، وجلب الخيرات والمسرات والسعادة في جميع المجالات.
وفي الحديث النبوي الشريف:
عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«يا رسول الله، أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئًا، أدخل الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم».
وقال تعالى في كتابه:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»[البقرة: 185].
وكان هذا في ليلة القدر من رمضان، قال تعالى:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» [القدر: 1].
وقال سبحانه:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ» [الدخان: 3].
في رمضان تُفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، وتُصفد الشياطين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
*«إذا جاء رمضان فُتِّحَت أبواب الجنة، وغُلِّقَت أبواب النار، وصُفِّدَت الشياطين».
فضل الله عز وجل شهر رمضان على سائر الشهور، حيث شرفه بإنزال القرآن فيه، وخصه بفريضة الصوم، وجعله موسماً من مواسم الخير والغفران.
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاء شهر رمضان فُتحت أبواب الجنة حقيقةً تعظيمًا لهذا الشهر وتكريمًا، وحثًا للناس على الإقبال على الطاعات وعمل الخير، وغُلقت أبواب جهنم حقيقةً؛ فإن ذلك باعث على ترك الفواحش والبعد عن المعاصي، وسُلست الشياطين فشُدت بالسلاسل ومنعت من الوصول إلى بغيتها من إفساد المسلمين بالقدر الذي كانت تفعله في غير رمضان.
ومن نفحات شهر رمضان أن العمرة فيه تعدل حجة. ففي الحديث النبوي الشريف:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحًا ننضح عليه. قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري؛ فإن عمرة فيه تعدل حجة».
فينبغي على الإنسان العاقل أن يفوز بالدنيا والآخرة باغتنام مواسم العبادة كشهر رمضان، حيث تُضاعف فيه الأعمال. ومن المنح الربانية أن الإنسان إذا صام رمضان وأتبعه بست من شوال، فإنه يفوز بصيام سنة كاملة. ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه عبد الله بن عمر:
«من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
وفي رواية لأبي أيوب الأنصاري:
«من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر» (صحيح مسلم).