أخر الأخبار

فلسطين أرض الشهداء التي لن تُهجَّر

بقلم د ياسر جعفر

في ظل الأحداث المتلاحقة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، تبرز قضية التهجير القسري لأهل فلسطين كواحدة من أكثر القضايا إلحاحًا وإثارة للجدل. فكيف يُطلب من شعب أن يترك أرضه ودياره، التي عاش عليها أجيالًا، وتشبَّع بترابها، وارتبط بها روحًا وجسدًا؟ هذه القضية ليست مجرد صراع سياسي أو جغرافي، بل هي قضية إنسانية وأخلاقية تمسُّ جوهر الكرامة الإنسانية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

من خلال هذا المقال، نستعرض الأبعاد الشرعية والإنسانية لقضية التهجير، مستندين إلى النصوص الدينية والأحكام الشرعية التي تؤكد حرمة الاعتداء على حقوق الإنسان في العيش بأمان على أرضه. كما نسلط الضوء على موقف الإسلام من الدفاع عن الأرض والوطن، وكيف أن الشريعة الإسلامية تحرِّم الظلم وتدعو إلى العدل والإنصاف.

ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة:
«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ» (صحيح مسلم).

الدفاع حق شرعي

الدفاع عن المال والنفس والوطن أمرٌ لازمٌ وثابتٌ، ودفع المعتدي على شيء من ضروريات الدين أمرٌ واجبٌ أيضًا. لذلك أمر الشرع بدفع الصائل والمعتدي دفعًا لضرره، ودفعًا لتكرار هذا الأمر على الغير.

في هذا الحديث يُخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله: أخبرني إن جاء رجل يريد أن يعتدي عليَّ ويأخذ مالي دون وجه حق، فماذا أفعل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ». وهذا أمرٌ صريحٌ بالامتناع عن إهلاك المال بإعطائه للصائل أو الظالم الذي يحاول أخذ أموال الناس. بل تعدى الأمر إلى ضرورة الدفاع والمقاتلة، فسأل الرجل: «أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟» يريد أن يأخذه بالقوة والغصب، فأخبرني ماذا أفعل معه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قَاتِلْهُ». هكذا بالأمر الصريح: إن قاتلك على أخذ مالك فقاتله حتى تدفعه.

ثم إن هذه المقاتلة تكون بعد المناشدة بالله والاستعانة بالمسلمين وولاة الأمور. فقد أخرج النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي؟ قَالَ: فَانْشُدْ بِاللهِ. قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَانْشُدْ بِاللهِ. قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَانْشُدْ بِاللهِ. قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَقَاتِلْ، فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ».

هنا سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟» أي: فما حكم الله في أمري؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، أي: فأنت بمنزلة الشهيد، ولك أجر شهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا؛ فيُغسل ويُصلى عليه، ولا يلزم منه أن يكون مثل ثواب شهيد الحرب.

فسأله الرجل: «أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟» فما حكم الله في أمره، وماذا عليَّ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هُوَ فِي النَّارِ» لكونه قُتل ظالمًا، ولا شيء عليك؛ لكونك مظلومًا مدافعًا عن حقك. والمراد أنه يستحق النار، وقد يُجازى، وقد يُعفى عنه، إلا أن يكون مستحلًا لذلك بغير تأويل، فإنه يكفر ولا يُعفى عنه.

وفي الحديث: بيان تحريم مال المسلم بغير رضاه. وفيه دليل على أنه لا دية في قتل المحاربين ولا قصاص.

لا للتهجير

ويخرج علينا أشباه الرجال يطالبون أهل غزة بالتهجير من ديارهم وطمس القضية الفلسطينية وقضية القدس، وإقامة “إسرائيل الصغرى” كما يتوهمون. مع العلم أن رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراج الكفار والمشركين واليهود من جزيرة العرب لأنهم أهل شر وفساد.

ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه عمر بن الخطاب:
«لَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللهُ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» (صحيح الجامع).
وفي رواية أخرى:
«لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا» (صحيح مسلم).

خص الله عز وجل جزيرة العرب ويميزها عن غيرها من البلدان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بأن حرم على الكفار أن يستوطنوها، حتى تكون خالصة للإسلام والمسلمين وبيت الله الحرام ومسجد نبيه. وحتى لا يُسمح لغير المسلمين بالاستعلاء ببناء المعابد والكنائس ونحوها بجوار الحرمين الشريفين.

وفي هذا الحديث يُخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقسم ليُخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، أي: إن أمده الله في عمره، حتى لا يترك فيها إلا مسلمًا. وكأنه عمم الكفار في الحكم بعد تخصيص اليهود والنصارى؛ وذلك لأن جزيرة العرب قاعدة الإسلام ومنطلقه، فيجب ألا يشارك الإسلام فيها دين آخر، فتتمحص الجزيرة للمسلمين، خاصة بعد أن اشتد الدين وقوي عوده.

جزيرة العرب

وسُميت جزيرة العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم. واختلف في المقصود بجزيرة العرب تحديدًا -مع الاتفاق على دخول مكة والمدينة في ذلك-؛ فقيل: الذي يُمنع المشركون من سكناه من أرض الجزيرة هو الحجاز خاصة، ويشمل مكة والمدينة وما حولهما. وهذا التخصيص لأن تيماء التي أُخرج اليهود إليها كانت من جزيرة العرب، لكنها ليست من الحجاز. ومنهم من أدخل اليمامة، ومنهم من أدخل اليمن في هذا التخصيص.

وقد حدث ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه لما استُخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَجلى أهل نجران إلى النجرانية بناحية الكوفة، واشترى بيوتهم وأموالهم، وأَجلى أهل فدك وتيماء وأهل خيبر. ومع إخراجهم منها لا يمنع ذلك من دخولهم إياها مسافرين أو لحاجة؛ فقد كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلب النصارى من الشام إلى المدينة الحنطة والزيت والأمتعة.

وفي الحديث: الحض على إخراج المشركين من جزيرة العرب.

وفي رواية لعبد الله بن عباس:
«أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى بِثَلَاثَةٍ: فَقَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوٍ مِمَّا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَأَنْسِيتُهَا».

وفي رواية لأبي عبيدة عامر بن الجراح:
«أَخْرِجُوا يَهُودَ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شَرَّ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» (صحيح الجامع).

الأمم السابقة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يُجنب أمته طرق الضلال؛ وذلك بذكر ما كان يقع من الأمم السابقة وأسباب ضلالهم؛ تحذيرًا وتنبيهًا لهم.

وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْرِجُوا يَهُودَ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ»، وأهل نجران كانوا من النصارى. والأمر ليس على التخصيص؛ وإنما هو عام، كما في رواية أخرى: «لَا يَبْقِيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ»، وفي الصحيحين: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»*؛ فيكون الأمر عامًا لكل دين، بمعنى لا يبقى فيها غير دين الإسلام، وأن يُخرج منها كل من يتدين بغيره من يهودي أو نصراني أو ذمي، ولا يُسمح لهم بالاستعلاء ببناء المعابد والكنائس ونحوها.

وقوله: «مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» سُميت بذلك؛ لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام، وبها أوطانهم ومنازلهم. والمراد: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، ويشمل ذلك أهل الكتاب اليهود والنصارى، فلا يبقى إلا الإسلام.

وقد كان؛ وذلك أنه لما استُخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَجلى أهل نجران إلى النجرانية بناحية الكوفة، واشترى عقارهم وأموالهم، وأَجلى أهل فدك وتيماء وأهل خيبر. ومع إخراجهم منها لا يمنع ذلك من دخولهم إياها مسافرين أو لحاجة؛ فقد كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلب النصارى من الشام إلى المدينة الحنطة والزيت والأمتعة.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمُوا أَنَّ شَرَّ النَّاسِ»، وهو الذي يستلزم من شره هذا غضب الله عليه في الدنيا والآخرة –نسأل الله العافية والسلامة– «الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»؛ وذلك إما بالسجود إليها تعظيمًا لها، أو بجعلها قبلة يتوجهون إليها في الصلاة، ويقصدونها بعبادتهم، أو لأنهم بنوا أماكن عبادتهم عليها.

وفي الحديث: تحذير ونهي شديدان، وإعلام للأمة بأن يتجنبوا اتخاذ القبور مساجد؛ لما في ذلك من الذريعة إلى عبادتها والاعتقاد فيها.

فمن أولى بالتهجير والخروج من جزيرة العرب؟!
هم الذين أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراجهم؛ لأنهم فيروسات مسرطنة في الفكر والسلوكيات والمبادئ والأخلاقيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى