في شهر الخير كيف تكون أحبّ الناس إلى الله

بقلم د. ياسر جعفر
نحن في شهر رمضان، شهر القرآن، شهر الخيرات، وشهر الكرم والجود، شهر العتق من النار، الذي تُصفَّد فيه مردة الجن والعفاريت، وتُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، شهر المنح الربانية لكل عاقل يدرك قيمته وقيمة فعل الخيرات.
ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه عبد الله بن عمر:”أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِيَ مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ”. (أخرجه الطبراني).
إنها منحٌ من الله سبحانه وتعالى لأصحاب القلوب والعقول الرشيدة. فخير الناس وأحبهم إلى الله هم أنفعهم للناس. فهل يدرك الرجل العاقل هذا، وينتشر في الأرض بالخيرات للناس، أم يكون أنانيًّا فيقول: “نفسي نفسي”، ويكون في ضياع؟
سارع إلى فعل الخيرات وإدخال السرور في قلوب المسلمين في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة. وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على أخيك المسلم.
طرق إدخال السرور على المسلمين:
هناك ملايين المسلمين يعانون من الأمراض ولا يملكون ثمن الدواء، وملايين الفقراء والمحتاجين، وآلاف الطلاب الذين تم فصلهم من المدارس والجامعات بسبب عدم قدرتهم على دفع المصاريف، وآلاف الجوعى الذين لا يجدون قوت يومهم. ابحثوا عن هؤلاء حتى يُنصَروا، فبهم تُرزقون.
لهذا، تعيش الأمة في غُمة، لأننا لم نساعد الفقراء والمساكين والضعفاء. اكشفوا الكُرب عن أصحاب الضيق والهموم، فوالله الذي لا إله إلا هو، لن تقوم للأمة قائمة إلا إذا نصرت الضعفاء والمحتاجين.
هناك آلاف الأبرياء في السجون بسبب ديون تعسَّروا في سدادها، فقد يكون أحدهم اقترض لتزويج ابنته أو ابنه وتعسَّرت حالته. فينبغي البحث عن هؤلاء وسداد ديونهم.
دعم المحتاجين واجب شرعي وإنساني
أطعموا الفقراء، وساعدوا المحتاجين، وسارعوا في قضاء حوائج الناس، وابحثوا عنهم في كل مكان. انظروا إلى إخواننا الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية في جميع المجالات وعلى كل الأصعدة.
يجب أن تبادر الأمة بمساعدتهم، ومساعدة كل المسلمين في أنحاء العالم، حتى نخرج من أزمتنا. الأمة في حالة وهن وضعف شديد، ولا بد أن تتكاتف الدول الإسلامية لتقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية لإخواننا الفلسطينيين بقوة.
بدلًا من إنفاق المليارات على توافه الإعلام والبرامج السخيفة، ينبغي أن تُصرف هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين والضعفاء. وينبغي على كل جار أن يبحث عن جاره المحتاج ويعينه على الجوع والعطش، ويكشف عنه الكُرب والهموم والأحزان. كما يجب عدم إهدار الطعام، وحفظ الفائض منه لإطعام الحيوانات الضالة.
الصحابة والحرص على الطاعات
كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحرصون على الطاعات وما يُقرِّب من رضا الله، فسألوا النبي ﷺ كثيرًا عن أفضل الأعمال وأكثرها قربًا إلى الله، فكانت إجاباته تختلف باختلاف أحوالهم وما هو أنفع لكل واحد منهم.
قال النبي ﷺ: “أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ”، أي أكثر الناس نفعًا للآخرين، سواء كان النفع ماديًّا، أو بالعلم، أو بالرأي، أو بالنصيحة، أو بالمشورة، أو بالجاه، أو بالسلطان، وغير ذلك. فكل هذه صور من النفع التي تجعل صاحبها يحظى بمحبة الله.
ثم قال: “وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ يُدخِلُه على مُسلِمٍ”، وهذا يتحقق بطرق عديدة، مثل: السؤال عن حاله، زيارته، تقديم الهدايا له، تفريج كربته، قضاء دينه، إطعامه وسد جوعه
ثم ذكر النبي ﷺ أن المشي في قضاء حاجة مسلم أفضل من الاعتكاف في مسجده شهرًا! وهذا يدل على عِظَم فضل السعي في قضاء حوائج الناس وتيسير أمورهم.
ثم قال: “ومن كَفَّ غَضَبَه سترَ اللهُ عورته”، أي أن من كظم غيظه ولم يُنفِّذ غضبه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة.
ثم أكمل ﷺ: “ومن مشى مع أخيه في حاجته حتى يقضيها له، أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام”، أي يثبته الله يوم القيامة عندما تزل أقدام الناس من شدة الهول.
أهمية حسن الخلق
وفي ختام الحديث، حذَّر النبي ﷺ من سوء الخلق، فقال: “وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ”. أي أن سوء الأخلاق قد يُفسد الأعمال الصالحة، كما يفسد الخل طعم العسل.
خلاصة الحديث وفوائده، من كان نفعه للناس أعظم، كان من أحبِّ الناس إلى الله، إدخال السرور على المسلم من أحب الأعمال إلى الله، وله صور متعددة، السعي في قضاء حوائج المسلمين أعظم أجرًا من الاعتكاف في المسجد النبوي شهرًا، كظم الغيظ والصبر على الأذى سبب لملء القلب بالرضا يوم القيامة، سوء الخلق قد يُفسد العمل الصالح.
قال النبي ﷺ: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. فالأصل في المسلم أن يكون نافعًا للآخرين، ويسعى إلى الخير، ويحرص على نشر المعروف، فكل هذه الأبواب مفتوحة لمن أراد محبة الله ونيل رضوانه.
ختامًا، لنرتقِ بأخلاقنا، ولنبحث عن حاجات الناس، ولنكن سببًا في سعادتهم، لعلنا نكون ممن يحبهم الله، فمحبة الله هي الغاية العظمى والنعمة الكبرى.