
بقلم د. ياسر جعفر
من عظمة الدين الإسلامي أنه دين العدل والمساواة والعزة والكرامة، لقد شرع الله عز وجل لنا الدين ليصلح لنا حياتنا ونسعد في الدارين.
فديننا هو الدين الوحيد الذي يحقق السعادة للفرد والمجتمع؛ لأنه الدين الشامل الذي يتلائم مع الفطرة البشرية، فالله تعالى هو الذي خلق الكون ويعلم ما يصلحه وما يفسده: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
فالدين الإسلامي وضع أُسسًا وقوانين لإقامة العدل، فلا فرق بين غني ولا فقير إلا بالتقوى، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، هذه هي عدالة السماء. إذا غابت قوانين القرآن بين الناس ضاع العدل والمساواة، وانتشر الفساد واستشرى الظلم في كل مكان. أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر عام لجميع رؤساء الأمم الإسلامية والعربية الذين يتولون أمر المسلمين، أن يأخذوا من أموال الأغنياء ما يردونه على فقراء الأمة الإسلامية حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء من جهة، كما هو حاصل في زماننا الذي انتشر فيه الظلم وضاعت الحقوق بسبب بُعدنا عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أصبحت المليارات في يد فئة معينة، وهي فئة الظلم والبخل، ونسوا فقراء الأمة والضعفاء والمساكين. وحتى يقوم الفقير بواجبه نحو المجموع الإسلامي كعضو عامل فيه.
هذه الصدقة تطهر المسلمين جميعًا وتزكيهم، فوق كونها مطهرة للمال ذاته وتنمية له، فهي تطهر الغني بما تخلق فيه من شعور الطاعة والإخلاص في الامتثال لأمر الله، وتزكيه بما يشعر في ذاته حين إخراج الصدقة بأنه يعين على تقرير النظام واستقرار الأمان بين أفراد الأمة الإسلامية. هذه الصدقة تطهر الفقير مما قد يجول في نفسه من وساوس نحو أغنياء الأمة وبخلائها، وتشعره بإحسان هذه الطائفة إليه فيركن إليها ويزداد توددًا نحوها، وتزكيه بما تشعره بمركزه في الأمة فيسعى جاهدًا أن يكون عضوًا نافعًا فيها ويتجه إلى إحسان ما ينبغي أن يطلبه من عمل.
هذه الصدقة تطهر المجموع الإسلامي بما تجعل فيه من روح التعاون والتآلف بين الغني والفقير، وتزكيه بما تخلق فيه من الأمن والطمأنينة بين أفراد الأمة جميعًا. ولما في هذه الصدقة من منفعة عامة، أخبر الله الثقلين أنه هو الذي يأخذ الصدقات واعتبرها قرضًا له سوف يرده ردًا حسنًا ويكافئ عليها أحسن المكافأة، قال تعالى: ﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: 17].
فأخبر أنه يضاعف هذا القرض عند رده ويزيد على ذلك المغفرة، وهي أفضل ما يسعى إليه المرء في هذه الحياة الفانية. وينبغي تطبيق هذا على مستوى الفرد والمجتمع والدول، فهناك دول تحتاج للمساعدة بسبب الحصار الذي تفرضه عليها أعداء الإسلام أصحاب الحقد الأسود. ولما كان النظام الإسلامي ينص على أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ولا يشتمه، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وأنه قد نص صراحة على أنه لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن المسلمين أكفاء بعضهم لبعض، ويكفي قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].
فلهذا وجب أن يكون التضامن عامًا بين جميع أفراد الأمة الإسلامية، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، وأن هذا التضامن يستلزم أن يقوم الغني بواجبه وأن يقوم الفقير بواجبه كذلك.
أما أن يتمتع الغني بماله وجاهه ويترك الفقير يتضور جوعًا ويقتل بردًا وتفتك به جراثيم الأمراض، كما يحدث مع الآلاف في المجتمع وملايين من المسلمين في الأراضي العربية، فهذا أمر لا يرضاه الله ولا رسوله ولا تعاليم الأمة الإسلامية. ونحن داخلون في برد الشتاء، فينبغي علينا أن ننظر إلى إخواننا في فلسطين وأن نمد لهم يد العون في جميع ما يحتاجونه من ملابس وغطاء وأدوية ومواد غذائية، وننظر أيضًا إلى الفقراء في بلاد أخرى يحتاجون إلى العون من الأغنياء. فينبغي مساعدة الفقراء والمساكين والضعفاء في كل شيء، ليس بالمال فقط، ولكن بالوقوف معهم في وقت الشدائد ووقت المناسبات الاجتماعية في الأفراح وفي الموتى والمرض والزيارات. فلا تنهض الأمم إلا بنصرة هؤلاء الضعفاء. واعلم أن الإهمال والتقصير في حق الفقراء والضعفاء والمساكين يؤدي إلى عدم النصر ولا الرزق ولا المشاريع ولا النهوض للأمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تُنْصَرونَ إلا بضعفائِكم؟ بدعوتِهم وإخلاصِهم» (رواه سعد بن أبي وقاص، حديث صحيح). وفي رواية أخرى: «رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عنْه أنَّ له فَضْلًا علَى مَن دُونَهُ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ؟!» (رواه البخاري).
وفي هذا الحديث يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضل الضعفاء ودورهم في نصر الأمة ورزقها، فدعاؤهم وإخلاصهم سبب لقوة الأمة وتماسكها.
ولا يفوتنا في هذا المجال أن ننوه إلى أن هناك أشخاصًا يحبون التسول بأسلوب يرفضه الدين، لأن قوة المؤمن في عزة النفس. فينبغي أن تكون المساعدة لأصحاب المرض وأصحاب الإعاقات المزمنة، وينبغي تقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين والمساكين بعمل مشاريع لهم لتجنب التواكل والبطالة.
ففي الحديث: «أنَّ عبدَالرحمنِ بنَ عوفٍ جاء إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وبهِ أَثرُ صفرةٍ، فسألهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأخبرَهُ أنَّهُ تزوجَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: كمْ سُقتَ إليها؟ قال: زنةَ نواةٍ مِنْ ذهبٍ، فقال لهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أولمْ ولوْ بشاةٍ» (رواه البخاري).
فحث الشرع الإسلامي المسلم على التعفف والعمل وعدم التسول أو الاعتماد على الصدقات؛ لأن المسلم ينبغي له أن يحفظ كرامته وهيبته، ولا يريق ماء وجهه للناس.